لطالما كان الدخول لغرفته الدافئة ذات اللون السكري يمنحني شعورا مختلفا وحنونا وكأن الأماكن تصطبغ بصفات ساكنيها.
تلك الغرفة التي تحتل زاوية المنزل في الدور العلوي حيث لاشيء سوى السكينة والهدوء. أفتح باب غرفته لأجده على يسار الباب مستقبلًا القبلة وممسكا بمصحفه يتلو ويرتل كعادته في المساء، وكما يقضي كثيرا من وقته في قراءة كتاب الله..
وفي فناء المنزل الذي كنت أتمشى فيه مع ابنة خالي كل عصر ثم نصادف قدوم جدي للمنزل فنستقبله ونفتح له باب السيارة ليرحب بنا بأجمل وجه بشوش قائلًا: “حيّ الله القمر، حيّ الله الغزال” كأجمل مديح تسمعه آذاننا فنقبل يده ورأسه ونرقب خطواته المتأنية المتكئة على عكازته باتجاه باب المنزل.
حين يدخل جدي للمنزل تتوالى التباشير ويُسمع همس:”بابا عبدالله جاء” فيتاهفت الجميع صغارا وكبارا للسلام عليه فينحني ليقبل الصغير ويغني له أو يلاعبه ويقف ليسلم على الكبير ويدعو له ويلاطفه..
أحببنا جدي كما يحب الكل والدهم وأحببناه لسماحته ولطفه عاش جدي فيما أذكره بذكر حسن وطيبة وبشاشة كان قدوة لنا وكان نعم المربي بأخلاقه وسلوكه.
لم يقل لي يومًا اقرئي القرآن ولكنه كان كثير التلاوة له للحد الذي جعله يقارب من كونه حافظًا له، فكنت أخجل من نفسي أمام حرصه.
لم أره يأمر أحفاده بالتبكير للمسجد ولكنه كان يذهب قبل الأذان بل ويذهب لصلاة الفجر من منتصف الليل ففي بعض الأحيان تمتد جلسات السمر في بيت جدي لوقت متأخر من الليل لنرى جدي حاملًا عصاه ومتجها للمسجد يتلو ويدعو منتظرًا وقت الصلاة..
لا أنسى في مرض موته رحمه الله نادتني جدتي مره وقالت: “افتحي الباب على أبوك عبدالله خليه يسمع الأذان” كان جدي مستلقيًا على فراشه حيث يقضي جل وقته تلك الأيام وكانت إذاعة الرياض تنقل الأذان..
آلمتني كلمة جدتي كثيرًا وفتحت الباب وكان كل ما أفكر فيه كيف لي أن أنبه جدي لموعد الأذان؟ كيف لي أن أذكره وهو الذي كان يسبق الجميع للمسجد.. لكن أسأل الله أن يكون تبكيره للمسجد من العمل الذي لم ينقطع أجره بمرضه كما قال صلى الله عليه وسلم :”إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا”
اشتد المرض على جدي وساءت حالته الصحية فيدخل المستشفى لعدة أيام ثم يعود لمنزله ثم يعود للمستشفى مره أخرى أسأل الله أن يجعل ما أصابه ابتلاء عبدٍ أحبه ربه وأن يجعله تكفيرًا لذنوبه ورفعة لدرجاته. لكن مرضه لم يمنعه من الإحسان إلينا، في كل مرة أسلم فيها عليه تنهال دعواته:”الله يوفقك يابنيتي الله يوفقك” ويكررها بصوته الحنون عدة مرات فتكون دعواته ال أقوى مساندة نفسيه تمنحني الأمان أمام مخاوفي.
لعل أكبر درس تعلمته من جدي هو كيف تكون مربيًا بالقدوة، كيف تكون سببا لصلاح أبنائك رغبة في الاقتداء بك لا الانقياد لكلماتك.
رحمك الله ياجدي رحم الله ذلك الوجه البشوش والضحكة الحلوة والابتسامة المشرقة والمحيا السمح. رحمك الله وجمعنا بك وبأحبابنا في الفردوس الأعلى من الجنان، رحمك الله وموتى المسلمين أجمعين.
–
كتبتها بعد وفاة جدي بعدة أيام ولكن لم أتمكن من نشرها إذ لم تستطع كلماتي وصف صورة جدي وشعوري تجاهه كما أريد. وظل نص التدوينة معلقًا منذ ذلك الحين حتى اليوم، حتى قررت تجاوز فكرة أن أستطيع كتابة شيئ يوفي جدي حقه.
ماشاء الله تبارك الله .. هل اكتبها اعجابًا بهذا الجد والاب الحنون ام اعجابًا بهذا الاسلوب الرائع للكتابه ..
لجدك … تعبت وارهقتك الحياة و ربيت وربى ابنائك من بعدك فخرج هذا الجيل ونعم الجيل …. وهأنت ترقد في مضجعك الاخير حتى تلقى ربك راضيًا عنك بإذن الله .. فرحمك الله وغفر لك واراك مقعدك من الجنه ..
اما لك اختي منيره .. قلم رائع ومحبره صلده .. جميل وصفك وعباراتك استمري واكتبي بتفائل واسمعي ماكتبتيه فلك مستقبل مزخرف بالافق …. غفر الله لميتكم واطال عمر جدتك وسلمتي لامك وخالتك … 🌹
الله يرحمه ويغفر له يارب 💕💕💕
اللهم اغفر له ي رب🙏🏻🙏🏻💜
الله يغفر لنا وله ويجمعنا به بالفردوس الاعلى
يازينك يامنيره الله يوفقك ويسسعدك وين ماكنتي💕
أثرت فيّ كلماتك وتذكرت ايام جدي الاخيرة إذ هي التي بقيت عالقة في روحي حتى الآن .. الله يرحم جدك ويغفر له..
جزاك الله خير أختي الغالية ….
لكن الصور ذوات الأرواح لا تجوز و منها صورة الجد الله يرحمه.
فنصيحة ربي يسعدك تجنبي صور الأرواح المحرمة في مدونتك و حساباتك و لا يغرك يا الغالية كثرة من يضعها. فالعبرة بالدليل لا بالكثرة. الله يحفظك.